صفحة من تعظيم السلف للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسنته
محمد وفيق زين العابدين
******************
************
صفحة من تعظيم السلف للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسنته
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحمد لله الذي رفَع لنا في كلِّ ثغْر علَمًا، وأجرى لنا في جوار كل بحْر ما يضاهيه كرَمًا، وجعَل في هذه الأمة من المسلمين إلى اليوم من أزيد الناس عِلمًا، ويمحو من الظلمات ظلمًا.
أما بعد:
فَلَوْ كَانَ فَيْضُ الدَّمْعِ يَنْفَعُ بَاكِيًا لَعَلَّمْتُ غرْبَ الدَّمْعِ [1]كَيْفَ يَسِيلُ
فإنَّ الحزن والأسى لما يُلحِقه الغربيُّون الكافرون والمرجفة قلوبهم برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أذًى، لواجب على كلِّ مسلم؛ إذ حبُّه وتعظيمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الدِّين، بل لا يتم الدين إلا بهذا الحب وهذا التعظيم، فإنَّ الله تعالى قال: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 8 - 9]، وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - في "الصارم المسلول" (1/ 425): "والتعزير: اسمٌ جامع لنصرِه وتأييده، ومنْعه مِن كل ما يؤذيه، والتوقير: اسمٌ جامع لكل ما فيه سكينة وطُمأنينة مِن الإجلال والإكرام، وأن يُعامل مِن التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عنْ كلِّ ما يُخرِجه عن حدِّ الوقار، ومِن ذلك أنَّه خصَّه في المخاطبة بما يَليق به فقال: ﴿ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63]، فنهى أن يقولوا: يا محمد، أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسولَ الله، يا نبيَّ الله، وكيف لا يخاطبونه بذلك؟! والله - سبحانه وتعالى - أكرَمه في مخاطبته إيَّاه بما لم يكرم به أحدًا من الأنبياء، فلم يدْعُه باسمه في القرآن قط، بل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ﴾ [الأحزاب: 28]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأحزاب: 59]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ [الأحزاب: 50]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [الطلاق: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ [المزمل: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 64].
مع أنَّه سبحانه قد قال: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35]، ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ [البقرة: 33]، ﴿ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ [هود: 46]، ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ [هود: 76]، ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الأعراف: 144]، ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 26]، ﴿ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ﴾ [المائدة: 110].
ومِن ذلك: أنَّه حرَّم التقدُّم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرَّم رفْعَ الصوت فوق صوته، وأن يجهرَ له بالكلام كما يجهر الرجلُ للرجل، وأخبر أنَّ ذلك سبب حبوط العمل، فهذا يدلُّ على أنه يقتضي الكفر؛ لأنَّ العمل لا يحبط إلا به، وأخبر أنَّ الذين يغضُّون أصواتهم عنده هم الذين امتُحنتْ قلوبهم للتَّقوى، وأنَّ الله يغفر لهم ويرحمهم، وأخبر أنَّ الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون؛ لكونهم رفَعوا أصواتهم عليه، ولكونهم لَم يصبروا حتى يخرُج، ولكن أزعجوه إلى الخروج.
ومِن ذلك: أنَّه حرَّم على الأمة أن يُؤذوه بما هو مباحٌ أن يُعامل به بعضهم بعضًا تمييزًا له، مِثل نكاح أزواجه من بعْده، فقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53]، وأوجب على الأمَّةِ لأجْله احترامَ أزواجه، وجعلهنَّ أمهاتٍ في التحريم والاحترام، فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وأما ما أوجبه مِن طاعته والانقياد لأمره، والتأسِّي بفعله، فهذا بابٌ واسع".
المُصْطَفَى أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ مِنْ مُضَرٍ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعْظِيمٌ وَتَبْجِيلُ
هُوَ الشَّفِيعُ الرَّفِيعُ الْقَدْرِ أَكْرَمُ مَنْ مَشَى عَلَى الْأَرْضِ فِي رِجْلَيْهِ تَنْعِيلُ
عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الْآيَاتُ مُنْزَلَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ خَلْقِ اللَّهِ تَفْضِيلُ
يَا سَيِّدَ الرُّسْلِ يَا مَنْ شَرْعُهُ عَلَمٌ هَادٍ وَطَالِبُهُ بِالْخَيْرِ مَشْمُولُ
لَوْلاَكَ مَا كَانَ لاَ عِلْمٌ وَلاَ عَمَلٌ وَلاَ حَدِيثٌ وَلاَ نَصٌّ وَتَأْوِيلُ
لَوْلاَكَ مَا كَانَ لاَ حِلٌّ وَلاَ حَرَمٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ صَوْمٌ وَتَنْفِيلُ
لَوْلاَكَ مَا كَانَ لاَ حَجٌّ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ وُقُوفٌ وَلاَ ذِكْرٌ وَتَهْلِيلُ
لَوْلاَكَ مَا كَانَ لاَ سَعْيٌ وَلاَ رَمَلٌ وَلاَ طَوَافٌ وَإِحْرَامٌ وَتَحْلِيلٌ
فَمَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمُخْتَارِ وَاحِدَةً تَأْتِيهِ عَشْرٌ مِنَ الْمَوْلَى وَتَنْفِيلُ
يَا لَيْتَ شِعْرِيَ مَا نَظْمِي وَمَا فِكَرِي وَمَا مَدِيحِي وَقَوْلِي فِيهِ تَقْلِيلُ
لَوْلاَكَ يَا أَيُّهَا الْبَدْرُ الْمُنِيرُ لَمَا خُضْنَا بُحُورًا وَلاَ طَابَتْ أَقَاوِيلُ
يَا مَنْ إِذَا قُلْتُ مَدْحًا فِي شَمَائِلِهِ فَالْوَصْفُ مِسْكٌ وَفِيهِ النَّظْمُ مَعْسُولُ
قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - في "الشفا" (2/ 35): "واعلم أنَّ حرمة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدَ موته وتوقيره وتعظيمه لازمٌ، كما كان حالَ حياته، وذلك عندَ ذِكره - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذِكْر حديثه وسُنَّته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهلِ بيته وصحابته؛ قال أبو إبراهيم التجيبي: واجبٌ على كلِّ مؤمن متى ذكَرَه أو ذُكِر عنده، أن يخضع ويخشَع ويتوقَّر، ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله، بما كان يأخُذ به نفسه لو كان بيْن يديه، ويتأدَّب بما أدَّبَنا الله به.
وفي الأثر: (الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمحقُ للخطايا من الماء للنار، والسلامُ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أفضلُ مِن عِتق الرقاب، وحبُّ رسول الله أفضلُ مِن مهَج الأنفس)"[2].
وقدْ بوَّب البيهقي - رحمه الله تعالى - في "شعب الإيمان" (2/ 193) (باب تعظيم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإجلاله وتوقيره - صلَّى الله عليه وسلَّم -)، وقال فيه: "وهذه منزلةٌ فوق المحبَّة؛ لأنه ليس كلُّ محب معظِّمًا، فالوالد يحبُّ ولده، ولكن حبه إيَّاه يدعوه إلى تكريمه ولا يدْعوه إلى تعظيمه، والولدُ محبٌّ والده جَمَعَ له بين التكريم والتعظيم، والسيِّد قد يحب مماليكه، ولكن لا يُعظِّمهم، والمماليك يحبُّون ساداتهم ويُعظِّمونهم، فعَلِمْنا بذلك أنَّ التعظيم رُتبةٌ فوقَ المحبة".
ولما كان حبُّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتعظيمه مِن الدِّين، فهو عبادة، والعبادة محلُّها القلب واللسان والجوارح:
فعمل القلب: تقديمُ محبَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على النفْس والوالد والأهل والولد، واستشعار هَيْبته، والتشوُّق لرؤيته، وتعظيم حُكمه وأمره، وحبُّ ما يحب ومَن يحب، وكُرْه ما يكره ومَن يكره، والحُزن على ما أصابه وما يُصيبه.
وعمل اللسان: التأدُّب عندَ ذِكْره - صلَّى الله عليه وسلَّم - بألا يُذكر باسمه مجردًا، بل يُوصَف بالنبوَّة أو الرسالة، وكثرة الصَّلاة عليه، والانشغال بسِيرته وترديد أذْكاره ودعائه، وتعداد صِفاته وأخلاقه، ومحاسنه وفضائله ودلائل نُبوَّته، وتعليم الناس سُنَّته، وتذكيرهم بمنزلتِه وحقوقه.
وعمل الجوارح: اتباع سُنَّته، بفِعل ما فعَل، واجتناب ما ترَك، والتأسِّي بهيئته ومظهره، واكتمال المحبَّة باجتماع هذه الأعمال[3].
لذا، فإنَّ أسعدَ الناس حظًّا، وأوفرهم نصيبًا؛ أهل السُّنَّة عامَّة، وأهل الحديث منهم خاصَّة، فقد أحيوا سُنَّته، وانشغلوا بسيرته، والتزموا هدْيَه وشريعته.
وبذا سبقتْ خيرُ القرونِ القرونَ، بتبجيله وتعظيمه؛ فلا يحدُّون النظرَ إليه، ولا يرفعون أصواتَهم عنده، ولا يَصدُرون إلا عن أمْره، إذا مشَى لا يخطئون مِشيتَه، وإذا تكلم كأن على رؤوسهم الطير؛ هيبةً وإجلالاً، فلِلَّهِ درُّهم، وعليه شكرُهم.
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ رَسولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأَى خاتمًا مِن ذهَب في يدِ رجُل فنَزَعه فطرَحه، وقال: ((يَعْمَد أحدُكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يدِه))، فقيل للرجل بعدَما ذهب رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: خذْ خاتمَك انتفع به، قال: لا واللهِ لا آخذه أبدًا وقد طرَحه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[4].
وقال ابنُ أبي مُليكة - رحمه الله تعالى - كاد الخيِّران أن يَهلِكَا - أبو بكر وعمر - لمَّا قدِم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفد بَني تميم، أشار أحدُهما بالأقرع بن حابس الحنظلي، وأشار الآخَر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنَّما أردتَ خِلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافَك، فارتفعتْ أصواتهما عندَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنَزَلَتْ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، قال ابنُ أبي مُلَيكة: قال ابنُ الزبير: (فكان عمرُ بعدُ إذا حدَّث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحديثٍ حدَّثه كأخي السرار، لم يسمعْه حتى يستفهمَه)[5].
وفي الصحيحين أنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - آخذٌ بيد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال له عمر: يا رسولَ الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ مِن كل شيء إلاَّ مِن نفسي، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا، والذي نفسي بيده، حتى أكونَ أحبَّ إليك مِن نفسك))، فقال له عمرُ: فإنَّه الآن واللهِ، لأنتَ أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الآنَ يا عُمَرُ))[6].
ويومَ الحُديبية: "لما جاء عُروةُ بن مسعود يفاوض النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جلس إليه وَجَعَلَ يُكلِّمُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلَّما تكلَّم أخَذ عروةُ بلحيته - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمغيرةُ بن شُعْبة قائمٌ على رأس النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه السيف وعليه المِغْفر، فكلَّما أهوى عروةُ بيده إلى لحيةِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضرب المغيرة يدَه بنعلِ السيف، وقال له: أخِّرْ يدك عن لِحيةِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم إنَّ عُروةَ جعَل يرمق أصحابَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعينيه، فواللهِ ما تنخَّم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نُخامةً إلاَّ وقعتْ في كفِّ رجلٍ منهم، فدَلك بها وجهَه وجِلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتَهم عنده، وما يحدُّون إليه النظرَ تعظيمًا له، فرجَع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، واللهِ لقدْ وفدتُ على الملوك، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيتُ ملِكًا قط يُعظِّمه أصحابه ما يُعظِّم أصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - محمدًا؛ واللهِ إنْ تنخَّم نُخامةً إلا وقعت في كفِّ رجل منهم، فدَلك بها وجهَه وجِلده، وإذا أمرَهم ابتدروا أمْرَه، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتَهم عنده، وما يحدُّون إليه النظر تعظيمًا له، وإنه قد عرَض عليكم خُطَّةَ رشْد، فاقبلوها"[7].
وعن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال: "لقدْ رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحلاَّق يحلقه، وأطاف به أصحابُه فما يريدون أن تقَع شعرةٌ إلا في يدِ رَجل"[8]، ولمَّا مات معاوية - رضي الله عنه - جعَل شعرًا للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على عينيه[9]، وحين أخبر ابْنُ سِيرِينَ عَبِيدَةَ - رحمهما الله - بشعرٍ كان عندَه من شَعَرِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَصابه مِن قِبَلِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قالَ عَبيدَةُ: (لَأَنْ تكونَ عندي شعرةٌ منه أحبُّ إليَّ مِن الدنيا وما فيها)[10].
وأوْصَى جعفر بن الفضل الوزير - رحمه الله تعالى - إنْ هو مات أن يُجعَل في فيه ثلاث شعراتٍ مِن شعر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان ابتاعها بمالٍ عظيم، وكان يحتفظ بها في دُرْج ذهب مختومة الأطراف بالمِسك، ففعل به ذلك[11]، وكان الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - يصرُّ شعرات مِن شعر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كمِّ قميصه، يُخرِجها كلَّ حين يضعها على عينيه وعلى فيه يُقبِّلها، وأوصى عند موته أن يُجعل على كلِّ عين شعرة، وشعرة على لسانِه، ففُعِل به ذلك[12].
وعن أنسٍ - رضي الله عنه - أيضًا قال: دخل علينا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال عندنا فعَرِق، وجاءتْ أمِّي بقارورة، فجعلتْ تسلت العرقَ فيها، فاستيقظ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا أمَّ سليم، ما هذا الذي تصنعين؟!))، قالت: هذا عرقك نجعله في طِيبنا، وهو مِن أطيب الطِّيب[13].
وعن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ - رضي الله عنه - قال: لمَّا نزل عليَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: بأبي أنت وأمِّي، إني أكره أن أكونَ فوقك، وتكون أسفلَ مني، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أرفق بي، أن أكونَ في السفلى لما يَغْشانا من الناس))، قال؛ فلقد رأيتُ جَرَّةً لنا انكسرت، فأهريق ماؤها، فقمت أنا وأمُّ أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحافٌ غيرها، ننشِّف بها الماء، فرَقًا أن يصل إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيء يُؤذيه[14].
ولما حضرتْ عمرَو بن العاص - رضي الله عنه - الوفاةُ، جعَل يقول: ((وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أجَلّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفَه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه"[15].
وهذا أبو قَتادَةَ - رضي الله عنه - يقول: بينما هو مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفر؛ (فبينما رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسير حتى ابهارَّ الليل وأنا إلى جنبه، فنَعِس - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمال عن راحلته، فأتيتُه فدعمته مِن غير أن أوقظَه حتى اعتدلَ على راحلته، ثم سار حتى تهوَّر الليل، مال عن راحلته، فدعمتُه مِن غير أن أوقظه حتى اعتدلَ على راحلته، ثم سار حتى إذا كان مِن آخر السَّحَر، مال ميلةً هي أشد مِن الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفل، فأتيتُه فدعمته، فرفع رأسه، فقال: ((مَن هذا؟)) قلت: أبو قتادة، قال: ((متَى كان هذا مسيرك مني؟))، قلت: ما زال هذا مسيري منذُ الليلة، قال: ((حَفِظك الله بما حفظتَ به نبيَّه))[16].
واسمع لهذا الخبَر العجيب، عن عبدِالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت أم ولدٍ لرجل، كان له منها ابنانِ مِثل اللؤلؤتين، وكانت تشتُم النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فينهاها ولا تَنتهي، ويزجرها ولا تنزجِر، فلمَّا كان ذات ليلة ذَكَرتِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما صبَر أنْ قام إلى مغول فوضعَها في بطنِها ثم اتَّكأ عليها حتى أنفذَها، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أشْهَد أنَّ دمَها هدر))[17].
وأخرَج الطبراني في معجمه الكبير من حديث عروة بن الزبير بسندٍ (ضعيف): أنَّ خبيبَ بن عدي بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنه - لما أسَرَه المشركون، صلبوه، ووضعوا فيه السلاحَ وهو مصلوب، ثم نادوه وناشدوه؛ أتحبُّ محمدًا مكانك؟ فقال: (لا واللهِ العظيم، ما أحبُّ أن يفديني بشوكةٍ يشاكها في قدمِه)، وفي رواية أبي نُعيم في الحلية؛ (واللهِ ما أحب أنِّي في أهلي وولدي، وأنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُشاك بشوكة)[18].
وأخرج الطبريُّ وابنُ كثير في تاريخيهما بسندٍ (ضعيفٍ): أنَّ سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لما كانتْ غزوة بدر قال: (يا نبيَّ الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقَى عدوَّنا، فإن أعزَّنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانتِ الأخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمَن وراءَنا من قومنا، فقد تخلَّف عنك أقوام، ما نحن بأشد حبًّا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقَى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، ويناصحونك، ويجاهدون معك)، فأثنى عليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرًا، ودعا له بخير، ثم بُنِي لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عريش كان فيه[19].
وأخرجَا بسندٍ (ضعيفٍ) أيضًا: أنَّ أبا سفيان قدِم على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة، فدخَل على ابنته أمِّ المؤمنين أمِّ حبيبة زوْج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا ذهَب ليجلس على فراش رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - طوتْه، فقال؛ يا بنيةُ، ما أدري، أرغبتِ بي عن هذا الفراش، أو رغبتِ به عني؟! فقالت: (هو فراشُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنت مشرِك نجِس، فلم أحب أن تجلسَ على فراشه)، فقال: يا بنيه، واللهِ لقدْ أصابك بعدي شرٌّ[20].
ويصوِّر لنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - خادمُ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حالَ أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندَ القدوم إليه، وحرْصهم على عدمِ إيذائه، فيقول: كانت أبواب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُقرَع بالأظافير[21].
فكأنِّي أنظر إلى حال هؤلاء القومِ عندَ قبْض رُوحه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأبكي ولا يُفارقني البكاء؛ عَن أمِّ المؤمنين عائِشَةَ - رضي الله عنها -: أنَّ رَسُولَ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مات وأبو بكر بالسنح، فقام عمرُ يقول: (واللهِ ما مات رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم)، قالت: وقال عمر: (واللهِ ما كان يقَع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم)، فجاء أبو بكر فكشَف عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقبَّله قال: (بأبي أنت وأمِّي، طِبْتَ حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يُذيقك الله الموتتَيْن أبدًا)[22].
لَمَّا رَأَيْتُ نَبِيَّنَا مُتَجَنْدِلاً [23] ضَاقَتْ عَلَيَّ بِعَرْضِهِنَّ الدُّورُ
فَارْتَاعَ قَلْبِي عِنْدَ ذَاكَ لِمَوْتِهِ وَالْعَظْمُ مِنِّي مَا حَيِيتُ كَسِيرُ
أَعَتِيقُ وَيْحَكَ إِنَّ حِبَّكَ قَدْ ثَوَى فَالصَّبْرُ عَنْكَ لِمَا لَقِيتُ يَسِيرُ
يَا لَيْتَنِي مِنْ قَبْلِ مَهْلِكِ صَاحِبِي غُيِّبْتُ فِي لَحْدٍ عَلَيْهِ صُخُورُ
فَلَتَحْدُثَنَّ بَدِائِعٌ مِنْ بَعْدِهِ تَعْيَا بِهِنَّ جَوانِحٌ وَصُدُورُ
فلمَّا دُفن قالت فاطمةُ - عليها السلام - لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: (يا أنس، أطابتْ أنفسُكم أن تحثوا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - التُّرابَ؟!)[24].
يقول أنس - رضي الله عنه -: "شهدتُه يوم دخل المدينة، فما رأيتُ يومًا قط كان أحسنَ ولا أضوأ مِن يوم دخَل علينا فيه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشهدتُه يومَ موته، فما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم مِن يوم مات فيه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"[25]، وعندَ الترمذي - رحمه الله تعالى - قال أنس - رضي الله عنه -: "لما كان اليومُ الذي دخَل فيه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظْلم منها كلُّ شيء، ولما نفضْنا عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأيدي، وإنا لفي دفْنه، حتى أنكرْنا قلوبنا"[26].
سَأُبْكِيكَ مَا فَاضَتْ دُمُوعٌ فَإِنْ تَغِضْ [27] فَحَسْبُكَ مِنِّي مَا تُجِنُّ الْجَوانِحُ
فَمَا أَنَا مِنْ رُزْءٍ وَإنْ جَلَّ جَازِعٌ وَلاَ بِسُرُورٍ بَعْدَ مَوْتِكَ فَارِحُ
كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِواكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَى أَحَدٍ إلاَّ عَلَيْكَ النَّوَائِحُ
لَئِنْ حَسُنَتْ فِيكَ الْمَرَاثِي وَذِكْرُهَا لَقَدْ حَسُنَتْ مِنْ قَبْلُ فِيكَ الْمَدَائِحُ
وأمَّا بعد موته - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
فاحترام لاسمِه وطريقته، وتبجيل لحديثِه وسُنته؛ عنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ - رحمه الله تعالى - قال: "كنتُ قائمًا في المسجد، فحصَبَني رجل، فنظرتُ فإذا عمرُ بن الخطَّاب فقال: اذهبْ فأتِني بهذين، فجئتُه بهما، قال: مَن أنتما؟ أو مِن أين أنتما؟ قالاَ: من أهل الطائف، قال: لو كنتما مِن أهل البلد لأوجعتُكما، ترفعانِ أصواتكما في مسجد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟![28].
وفي الصحيحين من حديثِ علقمةَ عن عبدِالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لعَن الله الواشماتِ والمستوشِمات، والنامِصاتِ والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحسن المغيِّراتِ خلْقَ الله"، قال: فبلَغ ذلك امرأةً من بني أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتتْه فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك، أنَّك لعنتَ الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلْق الله، فقال عبدالله: "وما لي لا ألْعَن مَن لعن رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في كتاب الله؟!"، فقالت المرأة: لقد قرأتُ ما بين لوحي المصحف فما وجدتُه، فقال: "لئن كنتِ قرأتِه، لقد وجدتِه، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، فقالت المرأة: فإني أرى شيئًا مِن هذا على امرأتك الآن، قال: "اذهبي فانظري"، قال: فدخلت على امرأة عبدِالله فلم ترَ شيئًا فجاءتْ إليه، فقالت: "ما رأيتُ شيئًا"، فقال: "أما لو كان ذلك لم نجامعْها"[29].
وقال عمرو بن ميمون - رحمه الله تعالى - اختلفتُ إلى عبدالله بن مسعود سَنة، فما سمعتُه يقول: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا أنه جرَى على لسانه يومًا فقال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعلاه كربٌ حتى جعَل يعرق، ثم قال: "إنْ شاء الله ذا أو دون ذا، أو نحو ذا"، فنكس رأسه، فرفَع رأسه، فرأيتُه قد حلَّ إزاره وانتفختْ أوداجه واغرورقتْ عيناه، قال: "أو فوق ذاك، أو قريبًا من ذاك، أو شبيهًا بذاك"[30].
وعن سالِمِ بن عبدِالله: أنَّ عبدَالله بن عمر - رضي الله عنهم - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا تَمْنعوا نساءَكم المساجد إذا استأذنكم إليها))، فقال بلالُ بن عبدِالله؛ والله لنمنعهنَّ، فأقبل عليه عبدُالله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعتُه سبَّه مثله قط، وقال: أخبرَك عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقول والله لنمنعهنَّ[31].
وعن أبي قتادة - رحمه الله تعالى - قال: كنَّا عندَ عمران بن حصين - رضي الله عنه - في رهْط منَّا وفينا بشير بن كعْب، فحدَّثَنا عمران يومئذٍ قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحياءُ خيرٌ كلُّه))، فقال بشير بن كعْب: إنا لنجدُ في بعض الكتب أو الحِكمة أنَّ منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضعْف، فغضِب عمران حتى احمرَّت عيناه، وقال: ألا أراني أُحدِّثك عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتعارض فيه، فأعاد عمرانُ الحديث، فأعاد بشيرٌ فغضِب عمران، فما زِلْنا نقول فيه: إنَّه منَّا يا أبا نجيد، إنه لا بأسَ به[32].
رُوي عن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنَّه قال: "ما رأيتُ في الناس أحدًا يحب أحدًا، كحبِّ أصحاب محمَّد محمدًا"[33]، قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - سُئِل عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - كيف كان حبُّكم لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: "كان واللهِ أحبَّ إلينا مِن أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومِن الماء البارِد على الظمأ"[34].
وأخبار الصحابة في هذا الباب كثيرة، لا تنقطِع، ولا تنتهي.
لكنَّا نعرِّج على مَن بعدهم، حراس الإسلام، وحماة بَيْضة الدين:
وإنهم وللهِ درُّهم، ترَكوا الأهل والأولاد، وهجَروا الدِّيار والبلاد، توسَّدوا التراب، وهجروا لذيذَ الشراب، وطافوا الأقطار والأمصار، مِن أجْل حديثه، مِن أجل طريقته وسمْته، أخبار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - تُؤنِسهم عن العباد، وحديثُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يشغلهم عن المباحات والرُّقاد، وقصصهم في ذلك مشهورةٌ مأثورة، مليئةٌ بالكرامات والآيات، وهي أكثرُ مِن أن تُحصَى، يقول الرامهرمزي - رحمه الله تعالى - في "المحدِّث الفاصل" (159: 160) في اتِّباع أهل الحديث شأنَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتعظيمهم أمْرَه؛ "فنَقلوا شرائعَه، ودوَّنوا مشاهدَه، وصنَّفوا أعلامَه ودلائله، وحقَّقوا مناقب عترته، ومآثر آبائه وعشيرته، وعبَّروا عن جميع فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفَره وحضَره، وظعْنه وإقامته، وسائِر أحواله من منام ويقظة، وإشارة وتصريح، وصمْت ونُطق، ونهوض وقُعود، ومأكَل ومشرَب، وملْبس ومرْكب، وما كان سبيلُه في حال الرِّضا والسخط، والإنكار والقَبول، حتى القلامة مِن ظفره ما كان يصْنع بها، والنُّخاعة مِن فيه أين كانتْ وجهتها، وما كان يقوله عندَ كلِّ فعل يحدثه، ويفْعَله عندَ كل موقِف ومشهد يشهده؛ تعظميًا له - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعرفةً بأقدار ما ذُكِر عنه وأُسند إليه".
وقد رُوي أنَّ جعفر بن محمد الصادق والأعْمش وقتادة ومالك بن أنس واللَّيث بن سعد والبغوي، وغيرهم - رحمهم الله - كانوا لا يُحدِّثون عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا على طهارة.
قال حسين المعلِّم - رحمه الله تعالى -: "كان محمَّد بن سيرين يتحدَّث فيضحَك، فإذا جاء الحديثُ خشَع"[35].
وجاء رجلٌ إلى سعيد بن المسيَّب وهو مريض، فسألَه عن حديث وهو مضطجع، فجلس فحدَّثه، فقال له الرجل: وددتُ أنك لم تتعنَّ، فقال: "إني كرهتُ أن أحدِّثَك عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا مضطجع"[36].
وقال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: "كنا ندخُل على أيوب - السختياني - فإذا ذكرْنا له حديثَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكَى، حتى نرحمَه"[37].
ورَوى الخطيبُ البغدادي في تاريخه (9/ 192) أنَّ السري بن عاصم - رحمه الله - كان يحدِّث عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمِع كلامًا في ناحية المجلِس فقال: ما هذا، كنَّا عندَ حمَّاد بن زيد وهو يحدِّثنا عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمِع كلامًا في ناحية المجلس فقال: "ما هذا؟! كانوا يعدُّون الكلامَ عندَ حديث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كرفْع الصوت فوقَ صوته".
وقال سعيد بن عامر: كنَّا عند هشامٍ الدستوائي، فضحِك رجلٌ منَّا، فقال له هشامٌ الدستوائي: "تضْحَك وأنتَ تطلُب الحديث!"[38].
فأمَّا الإمام مالك - رحمه الله تعالى - فكان يقول: "ما بتُّ ليلةً إلا رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"[39]، وكان عبدُالرحمن بن مَهْدي يقول: "ما بقي أحد آمن على حديثِ رسول الله مِن مالك بن أنس"[40].
وذكر ابن خلِّكان - رحمه الله تعالى - في وفياته (4/ 136) أنَّ الإمام مالكًا - رحمه الله - كان لا يرْكَب في المدينة مع ضعْفه وكِبر سنِّه، يقول: "لا أركب في مدينةٍ فيها جثَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مدفونة".
وقال إبراهيم بن عبدالله بن قريم الأنصاري - قاضي المدينة: مرَّ مالك بن أنس على ابن أبي حازم وهو يُحدِّث، فجازه، فقيل له، فقال: "إني لم أجد موضعًا أجلِس فيه، فكرهتُ أن آخُذَ حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا قائِم"[41]، وكان يكره أن يُحدِّث في الطريق وهو قائمٌ أو يستعجل، فقال: "أحب أن أتفهَّم ما أُحدِّث به عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وإذا أراد أن يجلِس - أي للتحديث - توضأ وضوءَه للصلاة، ولبس أحسنَ ثِيابه، وتطيَّب، ومشط لحيتَه، فقيل له في ذلك، فقال: "أوقِّر به حديثَ رسولِ الله"[42].
ورُوي عن أبي عُثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني أنَّه قال: "ما دخلتُ بيتَ الكتب قطُّ إلا على طهارة، وما رويتُ الحديثَ ولا عقدت المجلِس ولا قعدتُ للتدريس قطُّ إلا على الطهارة"[43].
وقال أبو القاسم عبدالله بن عليِّ بن إسحاق الطوسي: كنَّا نقرأ على إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني جزءًا، فلمَّا بقي منه قدرٌ قريب قام وتوضَّأ ورجَع، وقال: "شككتُ في الوضوء فلم أرَ لي أن أكون شاكًّا في وضوئي ويُقرأ عليَّ حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"[44].
وروي عنه أنه قال أيضًا: "منذُ صحَّ عندي أنَّ النبي كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في ركعتي صلاة العشاء ليلةَ الجمعة ما تركتُ قراءتهما فيهما، وقد كنتُ في بعض الأسفار المخوفة، وكان أصحابي يَفْرِقون من اللصوص وقطَّاع الطريق، ويُنكرون عليَّ في التطويل بقراءة السورتين وغيرِ ذلك، فلم أمتنعْ عن ذلك ولم أنقصْ شيئًا ممَّا كنت أواظب عليه في الحضَر، فتولاَّنا الله بحفظه ولم تلحقْنا آفة"[45].
وقال ابنُ المبارك - رحمه الله تعالى - كنتُ عند مالك وهو يحدِّثنا بحديث رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلدغتْه عقرب ستَّ عشرةَ مرَّة، وهو يتغيَّر لونه، ويصفر وجهه، ولا يقطع الحديث، فلمَّا تفرَّق الناس عنه، قلتُ له: لقد رأيتُ اليوم منك عجبًا، فقال: "صبرتُ إجلالاً لحديث رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"[46].
وقال عبدالرحمن بن مهدي - رحمه الله تعالى - سألت مالكَ بن أنس عن حديث وهو واقفٌ فأبَى أن يُحدِّثني، فلما قعَد قال: "يا هذا، إنك سألتني وأنا واقف وكرهتُ أن أحدِّث حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا واقِف"[47].
وقال مصعبُ بن عبدالله: كان مالكٌ إذا ذكر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتغيَّر لونه وينحني، حتى يصعُب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك، فقال: "لو رأيتُم ما رأيتُ لما أنكرتم عليَّ ما ترون، ولقد كنتُ أرى محمَّد بن المُنكَدِر وكان سيِّد القرَّاء لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يَبكي حتى نرحمَه، ولقدْ كنتُ أرى جعفر بن محمد الصادق وكان كثيرَ الدعابة والتبسُّم، فإذا ذُكِر عندَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اصفرَّ، وما رأيتُه يحدِّث عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا على طهارة، ولقد كان عبدالرحمن بن القاسم يذكُر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فينظر إلى لونه كأنَّه نزف منه الدَّم، وقد جفَّ لسانه في فمه هيبةً لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولقد كنتُ آتي عامرَ بن عبدالله بن الزبير، فإذا ذُكِر عنده النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكَى، حتى لا يبقَى في عينيه دموعٌ، ولقد رأيتُ الزهري، وكان مِن أهنأ الناس وأقربِهم، فإذا ذُكِر عندَه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكأنَّه ما عرفك ولا عرفته، ولقد كنتُ آتي صفوان بن سليم وكان مِن المتعبِّدين المجتهدين، فإذا ذُكِر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكى، فلا يزال يبكي حتى يقومَ الناسُ عنه ويتركوه".
ولما كثُر على مالك - رحمه الله تعالى - الناس، قيل له: لو جعلتَ مستمليًا يسمعهم؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2]، وحُرمته حيًّا وميتًا سواء".
وكان عبدالرحمن بن مهدي - رحمه الله تعالى - إذا قرأ حديثَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَهم بالسكوت، وقال: ﴿ لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2]، ويتأوَّل أنه يجب له مِن الإنصات عندَ قراءة حديثه، ما يجب له عندَ سماع قوله[48].
ورُوي بسندٍ (ضعيف) أنَّ أبا جعفر أمير المؤمنين نَاظَرَ مالكًا في مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فارْتفَع صوته، فقال له مالك: يا أميرَ المؤمنين، لا ترْفع صوتك في هذا المسجد، فإنَّ الله تعالى أدَّب قومًا فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، ومدَح قومًا فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات: 3]، وإنَّ حرمته ميتًا كحُرمته حيًّا، فاستكان لها أبو جعفر"[49].
وقال أحمد بن أبي الحواري - رحمه الله تعالى -: جاء رجلٌ من بني هاشم إلى عبدالله بن المبارك ليسمعَ منه فأبى أن يُحدِّثه، فقال الهاشمي لغلامه: يا غلام، قُم، أبو عبدالرحمن لا يرَى أن يُحدِّثنا، فلما قام الهاشمي ليركب، جاء ابنُ المبارك ليمسك بركابه، قال: يا أبا عبدالرحمن لا ترى أن تُحدِّثني، وترى أن تُمسِك برِكابي، فقال له ابن المبارك: "رأيتُ أن أذلَّ لك بدني، ولا أذلَّ لك حديثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"[50].
ورُوي عن عَلِيِّ بن المديني وعبَّاس بن عَبْدالعظيم العنبري - رحمهما الله تعالى - أنَّهما قالا: "ما تركنا الصلاةَ على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فِي كل حديثٍ سمعْناه"[51].
وقلَّما كتب أحدٌ في مصطلح الحديث، وآداب الطلَب إلا نبَّه على هذا الأدَب في ذكْر الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجتناب السآمة مِن تَكْرار الصلاة، أو اختصارها، ومنهم ابنُ الصلاح والنووي، وابن جماعة والسخاوي، والسيوطي وطاهر الجزائري، وكان الإمامُ الشافعي - رحمه الله تعالى - يقول: "يكره للرجل أن يقولَ الرسول، ولكن يقول: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعظيمًا له"[52].
فيا ألله على أدبِهم مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحديثه! ناهيك عن تأسِّيهم واقتدائهم به، ونبْذهم أهلَ البِدع، وقمعهم لبدعهم، حشَرَنا الله في زُمرتهم، وأماتَنا على حُبِّهم وسِيرتهم.
والكتابة في هذا تطول، وأمَّا هذه فصفحة لا تتَّسع لأكثرَ مما أوردتُ، وهو قليل من كثير، وغَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ، وقطرةٌ من سيح، فإجلال السَّلَف لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتعظيم أمْره، ونُصرة سنَّته، تجفُّ فيه الأقلام، وتستغرق فيه السجلات والدفاتر.
وَقَدْ خَفِيَتْ عَلَيَّ هُنُا أُمُورٌ فَلَيْسَ يَلِيقُ لِي فِيهَا انْخِرَاطُ
وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْبَرَايَا جَمِيعًا وَانْطَوَى هَذَا البِسَاطُ
____________________________
[1] الغرب: الدلو العظيم، وغرْب الدمع؛ أي: مسيل الدمع العظيم.
[2] رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/ 161)، والسيوطي في "الدر المنثور" (6/ 654)، وإسناده (لا يصح) إلى أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه.
[3] وبعض العلماء قسَّم المحبة إلى فرْض وفَضْل:
فالفرض: قَبول ما جاء به، وتصديقه وتعظيمه والتسليم به، ونُصرة دِينه، وامتثال ما أمَر به مِن واجبات، والانتهاء عمَّا نهى من المحرَّمات، فهذا القدْر لا بدَّ منه، ولا يتمُّ الإيمان إلا به.
والفضل: يَقْتضي حسنَ التأسِّي به، وتحقيق الاقتداء بسُنَّته، وأخلاقه، ونوافله، وآدابه، في مأكْله ومشربه وقعوده ورُقاده، ومعاشرة أزواجه وأهله وأصحابه.
[4] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2090).
[5] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (7302).
[6] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (6632).
[7] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (2732).
[8] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2325).
[9] رواه ابن عساكر في تاريخه (59/ 97).
[10] صحيح من قول عبيدة؛ أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (165).
[11] الذهبي في "تذكرة الحفَّاظ" (3/ 1023)، الصفدي في "الوافي بالوفيات" (4/ 25).
[12] أبو نعيم في "الحلية" (4/ 131، 142)، والذهبي في "سير الأعلام" (11/ 212، 250، 337).
[13] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2331).
[14] صحيح؛ أخرَجه الإمام أحمد في مسنده (5/420)، والحاكم في مستدركه (3/ 521)، واللفظ له، والطبراني في الكبير (4/ 119، 126)، وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (3/ 422)، وابن عساكر في تاريخه (16/ 43) جميعهم من طُرق عن أبي أيوب - رضي الله عنه.
[15] صحيح موقوف؛ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (336).
[16] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1594).
[17] صحيح؛ أخرجه أبو داود في سننه (4361)، والنسائي في سننه (4070)، والحاكم في مستدركه (4/ 394)، واللفظ له، والدارقطني في سننه (3/ 112)، والطبراني في الكبير (11/ 351) جميعهم مِن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما.
[18] رواه الطبراني في الكبير (5/ 295)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 246).
وأخرجه الطبريُّ في تاريخه (2/ 79)، وابن كثير في تاريخه (4/ 65) ؛ غير أنهما استبدلاَ زيد بن الدَّثنة بخبيب بن عدي - رضي الله عنهما - وأصل خبر مقْتل خبيب - رضي الله عنه - عندَ الإمام البخاري في صحيحه (3045/ الجهاد)، بغير زيادة الجماعة المذكورة.
[19] رواه الطبري في تاريخه (2/ 29)، وابن كثير في البداية (3/ 268)، وابن هشام في سيرته (3/ 168)، وابن حبان في سيرته (157)، والذهبي في تاريخه (1/ 179).
[20] رواه الطبري في تاريخه (2/ 154)، وابن كثير في البداية (4/ 280)، وابن هشام في سيرته (50/ 50)، وابن حبان في سيرته (315)، والذهبي في تاريخه (1/ 306)، وابن حجر في الإصابة (7/ 653)، وابن سعد في طبقاته (8/ 100)، وابن عساكر في تاريخه (69/ 150)
[21] رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد (371)، والإمام البيهقي في الشعب (2/ 200)، والمزي في تهذيب الكمال (26/ 350)، وجميعهم بسندٍ (ضعيف) من طريق أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني؛ مجهول (623/ التقريب).
[22] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (3667)
[23] أي ؛ مسجى.
[24] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (4462)
[25]صحيح؛ أخرجه أحمد في مسنده (3/ 287)، والدارمي في سننه (1/ 54)، وابن أبي شَيْبة في مصنفه (6/ 329).
[26] صحيح لغيره؛ أخرجه الترمذي في سننه (3618)، وابن ماجة في سننه (1631)، وأحمد في مسنده (3/ 268)، وابن حبان في صحيحه (14/ 601)، وأبو يعلى في مسنده (6/ 51)
[27] تذهب.
[28] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (470).
[29] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (4886/ تفسير سورة الحشر)، والإمام مسلم في صحيحه (2125/ اللباس والزينة، واللفظ له)، كلاهما من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه.
[30] أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (3/ 178)، والرامهرمزي في المحدِّث الفاصل (2/ 270).
[31] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (442).
[32] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (37).
[33] رواه الطبري في تاريخه (2/ 79)، وابن كثير في "البداية" (4/ 65)، وكلاهما بسندٍ (ضعيف) إلى أبي سفيان - رضي الله عنه.
[34] القاضي عياض في "الشفا" (2/ 19)، ولم أجِدْ هذا الأثر مسندًا إلى عليٍّ - رضي الله عنه.
[35] ذكَره ابنُ عساكر في تاريخه (53/ 207).
[36] رواه ابنُ كثير في "البداية" (9/ 100)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 169).
[37] رواه الذهبيُّ في "تذكرة الحفاظ" (1/ 131).
[38] ذكره الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1/ 238).
[39] رواه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 317).
[40] ذكره المروزي في "ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس" (61).
[41] رواه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 318)، والمروزي في "ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس" (61).
[42] رواه أبو نُعَيْم في "الحلية" (6/ 318)، والسيوطي في تزيين الممالك (15).
[43] رواه ابن العديم في بغية الطَّلَب في تاريخ حلب (2/ 114)، والسبكي في طبقات الشافعيَّة (4/ 153).
[44] رواه ابن العديم في "بغية الطلب في تاريخ حلب" (2/ 114).
[45] ذكره السبكي في "طبقات الشافعية" (4/ 153).
[46] رواه ابن عساكر في تاريخه (36/ 313).
[47] رواه أبو الفضل المقرئ في ذمِّ الكلام وأهله (5/ 79).
[48] القاضي عياض في "الشفا" (2/ 35 - 37).
[49] القاضي عياض في "الشفا" (2/ 37).
[50] ذكره ابن عساكر في تاريخه (6/ 363).
[51] ذكره أبو عمرو الشهرزوري كما في "مقدمة ابن الصلاح" (105).
المصدر: الألوكة
**********