سلسبيل
عدد المساهمات : 37 تاريخ التسجيل : 23/02/2011
| موضوع: إليك يا مربية الأجيال الأربعاء فبراير 23, 2011 10:01 am | |
|
إليك يا مربية الأجيال
******
بقلم: لبنى شرف
قالت وفي نفسها غصَّة: "ألأني الْتَزَمْتُ بيتي أرعى أطفالي، يتهمني الناس وينظرون إليَّ وكأنِّي كمٌّ مهملٌ، وشيء بلا قيمة؟!". شيءٌ عجيبٌ فِعلاً! وهل رعاية الطفل وتربيته شيءٌ يُستهان به إلى هذا الحدِّ؟! لست أدري، مَن الذي زرع في أذهان النساء أنَّ قيمة المرأة لا تكون إلا خارج بيتها؟! أنا لا أتحدَّث عن اللاتي يطالبْنَ بحقوق المرأة، ويُنادينَ بأكذوبة المساواة التي جازت عليهِنَّ، وتسرَّبتْ إلى عقولهِنَّ مع ما تسرَّب من أفكارٍ هدَّامة دخيلة على منهج الإسلام الأصيل، وإنما أقصدُ صاحباتِ الدين، فهل يا تُرى خُدِعْنَ هُنَّ أيضًا من قريب أو بعيدٍ بهذه الأفكار؟
من المؤسف حقًّا أنَّ كثيرًا من نخبة المسلمين يلهثون وراء ما يقوله غيرُ المسلمين، ويحشدون كلامهم وكتاباتهم بأمثالهم، ويكثرون من الإشادة بنماذج المتفوقين منهم، وكأننا - نحن المسلمين - نفتقر إلى القدوات، أو ما عندنا نماذج مضيئة نستغني بذكرها عن أمثال هؤلاء، أو أنَّ تاريخنا ما فيه عِبر أو قصص أو أحداث، نتعلم منها ونستقي منها الخِبرات!!
للأسف؛ إنَّ من هؤلاء النخبة مَن ليس لديه تمييزٌ فيما يَصلحُ لنا نحن المسلمين، وما لا يصلح، ولو أنهم نظروا في كُتب المسلمين الأوائل، وما فيها من عُمق في التفكير والتأصيل، ودِقَّة في التعبير، وجَودة في العقل، وقوة وجَزالة في اللغة، وسُمو في الرُّوح والجسد والعقل - لوجدوا ضالَّتهم، وللمسوا ضحالة ما يأخذون ويقتبسون من هنا وهناك، ولكنَّ أُمَّةَ "اقرأ" لا تقرأ في كُتبها وتاريخها ومنهجها، وإنما تقرأ في كُتب وتاريخ غيرها من الأُمم، وتأخذ ما لديهم، ثم تأتي لتسقطه على واقع المسلمين وحياتهم! وهذه صورة مقلوبة، وإلا فالأصل أنْ نأتيَ ونبحثَ في كُتبِنا، ونعرف منهجنا الأصيل في شتَّى جوانب ومجالات الحياة والنفس الإنسانيَّة، ثم بعد ذلك إن وجدنا ما نحتاج عند غيرنا أخذناه، ولكن بعد تمحيصٍ وتدقيق، ومعرفة تلاؤمه وتماشيه مع منهجنا.
أذكر أنني شاهدتُ مرة برنامجًا كان مقدِّمه من هؤلاء الذين يتبنون مثلَ هذه الأفكار، وكان محور النقاش يدور حول تأخُّر عَطاء وإنجاز المرأة خارج بيتها، وعلى الصعيد العام مقارنة بالرجل، فما كان من إحدى ضيفات الحلقة إلا أن قالت له: "لماذا أنت تُقارن بين الرجال والنساء؟ أنا لا يَهمُّني أن ألحقَ بالرجل في عمله، فهذا هو دوره ومجاله في الحياة: أن يعملَ وينجزَ خارج البيت، وأما أنا فمهمتي الأُولى أن أثبت وأقعد وأرسِّخ جذور وأساس أُسْرتي، وأثبِّت أركانها، ثم بعد ذلك أنطلق إن كان لدي ما أفيدُ به أُمَّتي أيضًا خارج البيت، وأما نساء الغرب فلا يُولِينَ أولادهُنَّ أو أُسَرهنَّ تلك الأهميَّة وتلك الرعاية مثل ما عندنا نحن المسلمين"، صفَّقَ لها الجمهور بعد أن أنهتْ كلامَها، وهي في الحقيقة تستحق هذا الإعجاب بما قالت؛ لأنه ينمُّ عن عقلها وفَهْمها، وهي - وللعلم - مديرة إحدى المراكز النسائيَّة.
يا حبَّذا لو نستقل بفكرنا، وتستقل النخبة بالذات؛ لأن الله وَهَبَهم طاقاتٍ وقدرات ليست عند غيرهم، فالاستمرار في الأخذ عن غيرنا يُشعر بالضَّعف والنقص، ولنتذكر أسلافنا في العصور الذهبية، وتلك القوة والهيبة التي كانت لهم بين الأُمم.
أعود بعد هذا الاستطراد للحديث عن الأُخت التي بدأت كلامي عنها، وأقول: إن هذه الأخت لم تعرفِ السكون أو الجمود في حياتها، كانت تعلِّم وتحفِّظ الأطفال القرآنَ في مراكز التحفيظ، ومجال دراستها أصلاً تربية الطفل، هذا عدا نشاطاتها الأخرى، ولكنها بعد أن تزوَّجت قرَّرت أن تلتزمَ بيتها، وتكرِّس طاقاتها، وتنفق وقتها فيه، ومع زوجها وأطفالها؛ فهم الآن رعيَّتُها المسؤولة عنها، والتي ستحاسب عليها إن قصَّرت، وهذا الأمر لم يكن سهلاً عليها في بادئ الأمر، وإنما كانت تجاهد نفسها جهادًا مريرًا؛ فهي لم تعتد الجلوس هكذا، وخاصة - وكما ذكرت - أنها كانت في حركة ونشاط مستمر.
هذه الأم اعتنتْ بتحفيظ طِفْلَيها القرآن في وقت مبكر؛ فهي تجيد هذا الأمر، والمهارات متوفِّرة لديها؛ فهي من أصحاب الاختصاص.
ولكن الذي شدَّني وأعجبني في هذه الأُمِّ أنها - كما ذكرتْ لي - كانت تضع طفلتها وهي في عُمر سَنَة تقريبًا في حِجْرها، وتنظر في عينيها، وتتحدث معها حديث الكِبار، كانت تشعر بأن كلامها يصل إلى دماغ ابنتها، وإن كانت لم تتكلم بعد، ثم كان أن بدأتِ الطفلة بالكلام قبل أقرانها، وكلُّ مَن يراها يلاحظ عليها علامات النضج المبكِّر وكأنها أكبرُ من سِنِّها، هذا عدا التعزيز النفسي الذي حصلت عليه من أُمِّها وهي في هذه السِّن؛ فالأُمُّ ما كانت لتدعها عند أحدٍ؛ حتى تعززَ وتقوِّي الصلةَ بينها وبين ابنتها.
ذكَّرني كلامُ هذه الأمِّ بمن سبقونا من الرعيل الأوَّل، بالذي كان يقرأ على ابنه كتابًا من أُمَّهات الكُتب، وهو ما زال في الثالثة من عُمْره، وبالتابعي الزاهد "سهل بن عبدالله التُّسْتُري" الذي زرع خاله "محمد بن سوار" مراقبة وخشية الله في نفسه وهو ابن ثلاثِ سنين، وبالصحابة - رضي الله عنهم - كيف كانوا؟ وكيف تربَّوا؟ وماذا كانوا يصنعون في سنٍّ صغيرة؟ وكيف ربوا أولادهم؟ نحن الآن نستهين بشكلٍ كبيرٍ بشخصيَّة الطفل وبعقله وطاقاته، وماذا يمكن أن يخرجَ منها؟ فالطفل ليس بهذه السطحية التي يعتقد الكثيرون، ولكنه - وللأسف - ينشأ عليها بسبب سوء تربيته وتهميش دوره، فالطفل لديه طاقاتٌ هائلة، لو استُغِلَّت بشكلٍ صحيح، لرأينا العجب العُجاب، واقرؤوا إن شئتم في كُتب التاريخ، وسِيَر العُظماء والفاتحين.
أنا نصحتُ هذه الأُمَّ أن تتولَّى هي تعليم أطفالها، وألا ترسلهم إلى رياض الأطفال، فكثير من الأُمَّهات لا يُرْسِلْنَ أطفالَهُنَّ إلى رياض الأطفال؛ إلا ليتخلصْنَ من إزعاجهم، ولكن الأُم أفضل في تعليمهم في هذه المرحلة العُمرية، إلا أن ترسلَهم إلى أحد المشايخ كما كان السلف يفعلون، حتى يتأدَّبوا بأدبهم. بل إنني أرى أن نظام الدراسة المنزليَّة مع الانتساب للمدرسة أفضل بكثير؛ ففي هذا فائدتان:
الحصول على الشهادة؛ لأنها صارت من عُرْف زماننا، والحاجة لها لفتح أو ولوج بعض المجالات وتَبَوُّؤ بعض المراكز، وليس لأنها تعكس مدى ثقافة وعِلْم الشخص حقيقة، أو أنها المعيار الحقيقي للتفاضل بين الناس، فكَمْ من أُنَاسٍ على مستوى عالٍ من العِلْم ورجاحة العقل ودِقَّة الفَهْم والدِّراية بأمور الحياة، إلا أنهم لا يحملون شهاداتٍ، أو شهاداتهم متوسطة! وفي المقابل فإننا نجد الكثيرين من حملة الشهادات والشهادات العُلْيا، ولكن مستواهم المعرفي والثقافي ضَحْلٌ؛ فالأمر متعلِّق بمدى جدِّ واجتهاد، وهِمَّة الشخص والمثابرة في تحصيل العلوم من شتَّى مصادرها الصحيحة، وليس فقط من المقررات المدرسيَّة والجامعيَّة.
ثم إن في هذا استغلالاً أفضل وأمثل لعُمْره وجُهده وطاقاته، بل ومَلَكَات الإبداع لديه والتي تنخفض بشكلٍ مريعٍ وحادٍّ - كما ذكرت بعض الدراسات - فورَ دخوله المدرسة، ولكن هذا يحتاج لأن يكون الوالدان على درجة من الوعي والحِكْمة، وباستطاعتهم ضبط الأمور، وإلا فهل يحتاج الأمر إلى كلِّ سنين الدراسة هذه، وما فيها من أوقات كثيرة ضائعة، ومعلومات لا حاجة لها، ينساها الطالب بعد انتهاء المدرسة، والجهل بها لا يضرُّ، تُرَصُّ في أذهان الطلاب دون مراعاة الاختلافات التي بينهم في القدرات العقلية، والطاقات الحركيَّة، والاهتمامات والتوجُّهات الشخصيَّة، وما يَصْلُحُ له كلٌّ منهم، وما يحتاجه كلٌّ منهم؟! هل يعقل أن يصل إلى سنِّ الثامنة عشرة، وهو ما زال في المدرسة؟! هذا عدا سنين الجامعة أيضًا!
إن الدراسة المنزلية فيها حُسن إدارة للوقت والجُهد والطاقات؛ فالأمر لا يقتصر على المقرَّر المدرسي، وإنما ستكون هناك إنجازات على مستويات عديدة؛ لبناء العقل والشخصيَّة، وهنا يأتي دور الوالدين: فمن تعلُّمٍ للآداب والأخلاق، وتربية على النظافة والنظام، وتحصيل للعلوم النافعة؛ الشرعيَّة والتطبيقيَّة التي لا يستغني عنها المسلمون في حياتهم، هذا إلى جانب تنمية جوانب الشخصيَّة من خلال الأنشطة والبرامج المختلفة، أمور كثيرة يمكن إدراجها في هذا السياق.
يحضرني هنا موقف طريف من والد هذه الأُخْت التي أتحدَّث عنها، وهو معروف بالتقوى والصلاح، وله يد في أعمال البرِّ والإحسان، نحسبه كذلك، ولا نزكِّي على الله أحدًا، كان يجلس في شُرفةِ بيتهِ؛ فيرى الطلاب وهم في طريقهم إلى المدرسة، فيقول: الواحد من طلاب هذا الزمان يحمل حقيبته المدرسية وفيها عشرة أقلام، وثلاث عشرة مسطرة، وعشرون كتابًا، لا يفقه منها شيئًا، كالحمار يحمل أسفارًا!
هذا للأسف حال كثير من الطلاب، وخاصة بعد انتهاء المدرسة؛ حيث تتبخَّر المعلومات التي ضُخَّتْ بشكلٍ عشوائي لهم على اختلاف مستوياتهم، أليس هذا من العبث؟! لماذا ينسى طلاب زماننا ما درسوه؟! بينما لم ينسَ آباؤنا وأجدادنا ما تعلَّمُوه؟! ألا يحتاج هذا إلى وقفة متأنِّية فاحصة؟! ختامًا:
أقول لهذه الأُم، ولمربية الأجيال: سيري نحو غايتك، واثقة الخُطا مرفوعة الهامة، لا يهمُّك كلامُ الآخرين، فما أنبلَ ما تقومين به، وما تستشعرينه من عِظَم المسؤولية والأمانة!
وَأَمَانَةُ الأَجْيَالِ فِي أَعْنَاقِنَا دَيْنٌ نُوَفِّيهِ إِلَى الرَّحْمَانِ تِلْكَ الْوُرُودُ النَّاشِئَاتُ عَلَى التُّقَى رَيَّانَةٌ مُخْضَرَّةُ الأَغْصَانِ هَلاَّ أَخَذْتِ بِهِنَّ في نَهْجِ الْعُلا وَوَقَيْتِهِنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ
منقوووووووول
| |
|