اسلاميات
عدد المساهمات : 73 تاريخ التسجيل : 25/02/2011
| موضوع: عدوى العلمانية - فضل محمد البرح الأحد فبراير 27, 2011 4:40 pm | |
|
عدوى العلمانية
فضل محمد البرح
الإسلام هو صبغة الله الذي ارتضاه لهذه الأمة، تُصبَغ به البشريةُ, وتَجعل حياتها وفق منهجه وشِرعته، بل ويكون منبعاً لجميع الأعمال والتصرفات, فلا يكون ثمة مصدر تتلقى منه تعاليم حياتها وأخلاقها ومعاملاتها غير الإسلام, فالإسلام مع كونه مصدراً لتلقي تعاليم العبادات من صلاة, وصيام, وزكاة وغيرها, فهو يتمثل مصدراً للهدي, والسمت, والأخلاق, والبيت, والمدرسة, والجامعة، والمؤسسة, والتجارة, والصناعة, والمعاملات, والقضاء كذلك, ولا يمكن للمسلم أن يختزل الإسلام في جانب من جوانب الحياة, وينأى عن ممارسة أحكامه في سائر حياته.
فالمسلم هو الذي أسلم وجهه لله بلا اعتراض، وأصبحت حياته كلها لله تعالى: {قُلْ إنَّ صلاتِي ونُسُكِي ومحيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالمين لا شريكَ له وبذلك أُمِرتُ وأنا أولُ المسلمين}, فيكمن التجرد الكامل لله, قلب المسلم, وحركات الحياة, بالصلاة, والقرب, والمحيا والممات, بممارسة الشعائر التعبدية، وواقع الحياة اليومية, ويكون التوحيد المطلق, والعبودية الكاملة, تجمع بين الصلاة والقرب, والمحيا والممات, دون إرادة سوى الله تعالى.
حينما نمارس حياتنا الطبيعة اليومية, لن تكون خاويةً من منهج النبوة, فنستلهم منه أسلوب تحركاتنا وتصرفاتنا, فقد قال سلمان (رضي الله عنه) عندما سأله اليهودي: علَّمكم نبيُكم كل شيء؟ قال: نعم، قال: حتى الخراءة, قال: نعم، علمنا كل شيء حتى الخراءة. علَّمنا آداب قضاء الحاجة، فأمرنا ألا نستقبل القبلة ببول ولا غائط، وأمرنا ألا نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ". رواه مسلم(262)
وقال أبو ذر (رضي الله عنه): "لقد توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما". أخرجه أحمد (22053).
أجل لقد وضع لنا رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) منهجا حيَّاً يدب في الأرض، حين جعل (صلى الله عليه وسلم) من نفسه ومن أصحابه نموذجاً رائداً لهذا المنهج, ليس في العبادات, والدعوة, والتعليم فحسب, بل في جميع شؤون حياتهم, فشمل كل جوانب الإنسان, فأرسى قواعد هذا الدين, ورسم للإنسان حياته بجميع مراحلها, فمن أول صرخة الجنين عند خروجه من بطن أمه إلى أن يرى مصيره إما إلى الجنة أو إلى النار, ومن حين يبدأ المسلم حياته اليومية من أول استيقاظه من نومه إلى أن يأوي إلى فراشة. فله في كل تحركاته وتصرفاته ما يصبغها الصبغة الشرعية. عن عمر (رضي الله عنه) أنه قال: قام فينا النبي (صلى الله عليه و سلم) مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه. أخرجه البخاري (3020)
فالمسلم لم يُترك ليسيِّر حياته وفق شهواته ورغباته, أو يتذبذب بين المناهج الأرضية, ولا يكون ثمة ما يكبح جِماح نزواته, ويكون بمنأى عن دينه ومبادئه وقيمه, كلا, فقد وضع له الإسلام طريقاً بيِّناً. أوضح فيه كيفية استخلافه في الأرض, وأرسى له قواعد عيشه وسيره أينما يدب على هذه البسيطة, تكلؤه رعاية الله، وتحفظه حينما يتحكم بجميع حركاته, ويصبغها بصبغة الله تعالى.علينا أن ننظر إلى شمولية الإسلام للكون والحياة, وألا نتصور أنه مجرد عبادات تؤدى في أوقات معينة, ثم لا نجعل له بعد ذلك أثراً على واقعنا وسلوكياتنا اليومية, وحياتنا العملية والعلمية.
إن هذا الدين يتناول الحياة كلها, ويتولى شؤون البشرية كبيرها وصغيرها, وينظم حياة الإنسان، لا في الحياة الدنيا وحدها، ولكن كذلك في الدار الآخرة, ولا في عالم الشهادة وحده، ولكن كذلك في عالم الغيب, ولا في المعاملات المادية الظاهرة وحدها، ولكن كذلك في أعماق الضمير ودنيا السرائر والنوايا، فهو مؤسسة ضخمة هائلة شاسعة مترامية.
حقا, لقد تأثرت كثير من البلدان الإسلامية بالعلمنة, وأصابتها عدوى العلمانية, وغزت حياتها, فصارت لا تستطيع أن تتحكم في حياتها وفق المنهج الذي وضِعَ لها كأمة مسلمة, بحيث تتميز بانتمائها ذي النهج القويم على غيرها من أصحاب الديانات الأخرى في تقرير مصير حياتهم. فلقد تأثرت حياة كثير من المسلمين بمفهوم فصل الدين عن السلوك, أو عن العلم والعمل, أو قل "فصل الدين عن الحياة".
ولنا أن نقف قليلا مع واقع حياتنا وحركاتنا, هل هي فعلاً محكومة بالهدي النبوي, وكيف نحن مع تعاليم ديننا, ابتداءً من النوم والاستيقاظ, أو عند الخروج من المنزل أو دخوله, وكيف التزامنا بتعاليمه في ركوبنا وسفرنا, وفي طعامنا وشرابنا, مروراً بواقع حياتنا مع الأسرة والمجتمع, والعمل والتعليم, والإدارة والاقتصاد, وعلاقتنا بمن حولنا, وانتهاءً بمدى انقيادنا وخضوعنا لهذا الدين في قضايانا الكلية والجزئية, الخاصة والعامة, حيث يكمن الإيمان, وانتفاء الحرج عن النفس, والتسليم الكامل والمطلق.
لقد نجح العلمانيون في تحييد كثير من المسلمين وشبابهم عن مفهوم الدين وشموله, لاسيما عندما ابتعد هذا الجيل أكثرَ عن منبعه, حتى تمركزت حول المفهوم كثيرٌ من الشوائب, ولم يعد صافياً نقياً كما فهمه الجيل السابق.
فعندما أُصيبَ المسلمون بهذه العدوى الوبائية "العلمانية", غاب عن كثير منهم مراعاة تعاليم الدين في جوانب كثيرة من أمور حياتهم وتحركاتهم, حتى أضحى الربط ضعيفا بين العبادة التي يؤديها المسلمون, وبين جوانب حياتهم الأخرى, وأن الذي نعبده, ونصلي له, ونركع ونسجد, ونصوم, ونحج, ونأخذ تعاليم هذه العبادات منه, هو الذي ينبغي أن نراعيه ونلتمس دينه وتعاليمه, في الأخلاق والآداب والعمل, وفي تربية الأطفال في البيوت, والطلاب في المدرسة والجامعة, ونتلمسه كذلك في حياة المرأة والرجل على حدٍ سواء, وفي الحضر والسفر, فيجب أن نربط بين ذا وذاك, ونتخلص من العدوى الوبائية، التي فرقت بين الدين والحياة.
لقد سعت العلمانية إلى إقصاء الدين عن الحياة, ومع إقصاء الدين أقصت الأخلاق, فكانت النتيجة؛ انهيار كثير من الحضارات والأمم, في حين أن بقاء المجتمعات والأمم, وازدهار حضارتها، تبقى ما بقيت الأخلاق فيهم, واستشراء الشر, وظهور الفساد في جميع مجالات الحياة يكون بضياع الأخلاق والقيم.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. . فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
المصدر: رسالة الإسلام
| |
|